لكتب السماوية الكتب السّماويّة هي الكتب التي أنزلها الله -تعالى- على رسله، لتكون نبراسًا ودستورًا للبشريّة يسيرون عليه حسب ما ارتضاه الله -تعالى- لهم من الخير، بعيدين عن الزّيغ والضّلال، وفيها يكون صلاح أمرهم في الدّنيا والآخرة، حيث قال الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا}،[١] والإيمان بالكتب السّماوية هو ركن من أركان الإيمان السّتة، حيث قال تعالى: {والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}،[٢] ولذلك فالمسلم مطالب بالإيمان بها، وفيما يأتي بيان كتاب الله.[٣] ما هو كتاب الله بعد التّعريف بالكتب السّماويّة، وبأنّ القرآن الكريم هو أحدها وخاتمها، والمعروف بكتاب الله، فكتاب الله هو القرآن الكريم المنزّل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- باللّفظ والمعنى عن طريق جبريل عليه السلام، والمنقول بالتّواتر من جيل إلى آخر، دون زيادة أو نقصان، المعجز بكلماته ومعانيه، المتعبّد بتلاوته، المكتوب في المصاحف بدءًا بسورة الفاتحة وانتهاءً بسورة النّاس، والمنزّه عن أيّ نقض أو إبطال، حيث قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}،[٤] وقد أحكمه الباري سبحانه، فأتقن إحكامه، وفصّله، فأحسن تفصيله، حيث قال تعالى: {كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ}،[٥] وقد تحدّى الله -تعالى- الإنس والجنّ مرّات عديدة على أن يأتوا بمثله أو ببعضه، فعجزوا عن ذلك وباؤوا بالفشل، حيث قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}،[٦] فكتاب الله "القرآن الكريم" هو المعجزة العظمى للنّبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- وحجّته البالغة الباقية مدى الدّهر كلّه
التمسك بكتاب الله التّمسك بكتاب الله هو الإيمان بأنّ هذا الكتاب هو من عند الله تعالى، وبأنّه كلام الله -تعالى- في اللّفظ والمعنى، والإيمان بكلّ ما فيه من أحكام عقائديّة ومسائل فقهيّة وقصص الأوّلين، والإيمان بالله وحده لا شريك له، وهو المعبود الأوحد، ولا معبود سواه، والتّسليم له بالطّاعة، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه، والتّمسّك بكتاب الله ومراقبة الله -تعالى- في السرّ وفي العلانية، فعندها يصبح المسلم أبعد ما يكون عن الوقوع في المعاصي، وأقرب ما يكون إلى الطّاعات، والمسلمون المتمسكون بكتاب الله فقراؤهم أغنياء ممّا أفاء الله عليهم من أموال الزّكاة، وصوّامون في نهار رمضان قوّامون في ليله، والمتمسّكون بكتاب الله متمسّكون بأركان الإسلام الخمسة، ويؤدونها على أكمل وجه، حيث قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}،[٨] والمجتمع الإسلامي المتمسّك بالقرآن الكريم يُحكّم كتاب الله في عباداته وسلوكياته ومعاملاته وأخلاقه وقضائه، حيث قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}،[٩] وكذلك التمسّك بكتاب الله، يعني التّمسك بسنّة رسول الله، لقوله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.[١٠][١١]
أسماء القرآن وصفاته ذكر العُلماء أنّ للقُرآن الكريم العديد من الأسماء والصفات التي ذكرت في نفس القرآن؛ فذكر الدكتور خمساوي أن للقُرآن تسعةً وتسعين اسماً مُشتقّة من اثنين وسبعين مادة لغوية، وذكر الفيروز آباديّ ثلاثاً وتسعين اسماً للقرآن، وذكر الشيخ البليهي ستةً وأربعين اسماً، والحكمة من تعدد أسماءه كما قال الفيروز آبادي: تعدد أسماء القرآن دلالة واضحة على كماله وشرفه؛ فكثرة أسماء الله -تعالى- الحُسنى تدُلّ على عظمته وكماله، وكثرة أسماء النبي -عليه الصلاة والسلام- تدُلّ على منزلته ودرجته العالية، وكذلك القُرآن كثرة أسماءه تدُلّ على مكانته وفضله، وجميع أسماءه وصفاته توقيفيّة؛ فلا يجوز وصفه أو تسميته إلّا بما جاء فيه عنه، أو ما ورد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأحاديث من الأسماء والصفات، وجميع أسماءه بينها اشتراكٌ وتمييز، فهي تشترك فيما بينها بالدلالة عليه، ويمتاز كلّ اسمٍ منها بدلالته على معنى خاصّ به، ومن أسماءه وصفاته ما يأتي
أهميّة القرآن الكريم تظهر أهميّة القُرآن بما يحتويه من الهداية بجميع جوانبها؛ من حيث العقيدة الصحيحة، والعبادات، والأخلاق، والتشريعات، والتعليمات التي تنظّم حياة المُجتمع، بما يضمن لهم الخير والعزّة والصلاح، كما أنّ الالتزام بما جاء فيه يضمن للإنسان حياة طاهرة، كما ويضمن له القوّة، والحضارة وغير ذلك من النعم التي لا تُحصى، قال -تعالى-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).[٢٤][٢٥] واجبنا نحو القرآن شرّف الله -تعالى- القُرآن على باقي الكُتب السماويّة السابقة، وذلك بحفظه، ورتّب على قارئه وحافظه الأجر العظيم؛ فمن واجب الأُمّة تجاهه المُسارعة إلى تلاوته والبُعد عن هجره، والمُشاركة في حفظه؛ لما في ذلك من الفضائل والفوائد؛ فهو كلام الله -تعالى-، وهو المرجع عند الخلاف، كما أنّ في ذلك اقتداءً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي كان يُداوم على تلاوته وحفظه، واقتداءً بالصحابة الكرام -رضي الله عنهم-.[٢٦] كيفية التعامل مع القرآن يُعدّ القُرآن الكريم كتاباً كاملاً وشاملاً للحياة، وينبغي على قارئه حُسن التعامل معه، ومن حسن التعامل معه التأثُّر به، والنظر إلى الجوانب التي يهتم بها، مع الالتفات إلى الأهداف الأساسيّة له، وإلى مقاصده الرئيسيّة؛ فالله -تعالى- لم يُنزل القُرآن ليكون كتاباً للرُقية أو للاستشفاء به، أو لقراءته عند الأموات أو في بيوت العزاء فقط، إنّما ينبغي للمُسلم النظر إليه على أنّه كلام وكتاب الله -تعالى-؛ فيقول ويحكم به، ويلتزم بأوامره، ويثق به، ويدعو الناس إليه، مع استشعار أنّ كلام القرآن موجّهٌ له، وأنّه هو المُخاطب بآياته؛ وذلك باتّباع أوامره واجتناب نواهيه، وأخذ العبرة من قصصه.[٢٧] قراءة القرآن بيّن الله -تعالى- لعباده الصفة والكيفية التي ينبغي عليهم قراءة القُرآن بها، والتي أمر بها نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وهذه الصفة جاءت بقوله -تعالى-: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)؛[٢٨] أي بطُمأنينة مع مُراعاة أحكامه؛ كالتفخيم والترقيق والمد وإخراج الحروف من مخارجها، وغير ذلك من الأحكام مع المُداومة على قراءته؛ وذلك لما في هذه الصفة من تيسير فهمه وحفظه، وتسمّى هذه الكيفيّة بالتجويد، ومن خالفها أو أهملها؛ فقد خالف سُنّة النبي -عليه الصلاة والسلام- وقرأه بغير الصفة التي أنزله الله -تعالى- بها، وللقراءة الصحيحة ثلاثة أركان، وبيانها فيما يأتي:[٢٩] الركن الأول: موافقة اللُغة العربية ولو بوجه من الوجوه حتى وإن كان ضعيفاً؛ كقوله -تعالى- في سورة الأنعام: (وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ)؛[٣٠] فقرأ ابن عامر كلمة زُيّن بالمبني للمجهول، وكلمة قتل بضم اللام، وكلمة شركائهم بالكسر. الركن الثاني: موافقة الرسم العُثماني ولو احتمالاً؛ فموافقة الرسم قد تكون تحقيقاً أو تقديراً؛ كقوله -تعالى- في سورة الفاتحة: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)،[٣١] فكلمة مالك قرأها البعض بحذف الألف وهي قراءة محتملة اللفظ تحقيقاً، وقرأها البعض بإثبات الألف وهي قراءة محتملة تقديراً. الركن الثالث: صحّة السند إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وذلك عن طريق تواتره. وتجدر الإشارة إلى أنّ اختلال أحد هذه الأركان يوجب كون القراءة شاذّة ولا يجوز القراءة بها.[٢٩] آداب قراءة القرآن لتلاوة القُرآن والإستماع إليه العديد من الآداب التي ينبغي للمُسلم التأدّب بها، وبيانها فيما يأتي:[٣٢] استقبال القبلة قدر الإمكان. استعمال السواك؛ لما فيه من طهارة وتعظيم للقُرآن. الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، والمحافظة على نظافة الثوب والبدن. الخُشوع والتفكّر والتدبُّر عند التلاوة، مع حُضُور القلب حال تلاوة آيات القُرآن. البُكاء او التباكي مع القراءة، مع تزيين الصوت بها، وتحسينه بقدر الاستطاعة. التأدّب حال القراءة، والبُعد عن الضحك والعبث بكلّ ما يُلهي عن التلاوة، قال -تعالى-: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ).[٣٣] الاتّعاظ بكلّ ما جاء في القُرآن من حكم ومواعظ، مع الإقبال على التلاوة بقلبٍ خاشعٍ ومُتفكّر لمعاني التلاوة. فضل قراءة القرآن جاءت الكثير من الأدّلة في القُرآن الكريم، والسُنّة النبويّة التي تُبيّن فضل قراءة وتلاوة القُرآن، كقوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)،[٣٤] ومن هذه الفضائل ما يأتي:[٣٥] تلاوة القرآن سبب للنجاة والبُعد عن مثل السوء الذي ضربه النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (إنَّ الذي ليس في جوفِه شيءٌ من القرآنِ كالبيتِ الْخَرِبِ).[٣٦] تلاوته سبب لرفع صاحبها في الدُنيا والآخرة؛ فقد قال -عليه السلام-: (إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ)،[٣٧] تلاوته سبب لتنزّل البركة، والحصول على الخيريّة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: (فَلَأن يغدوَ أحدُكم كلَّ يومٍ إلى المسجدِ فيتعلَّمَ آيتينِ من كتابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ خيرٌ لَه من ناقتينِ وإن ثلاثٌ فثلاثٌ مثلُ أعدادِهنَّ منَ الإبلِ).[٣٨] تلاوته سبب لنيل أربعة من الأُمور التي ذكرها النبي -عليه الصلاة والسلام- الواحدةُ منها خير من الدُنيا وما فيها، وقد وردت في قول النبي -عليه السلام-: (وَما اجْتَمع قَوْمٌ في بَيْتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عليهمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ المَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَن عِنْدَهُ).[٣٩] تلاوته سبب للحفظ في الدُنيا، والبُعد عن الغفلة، ويكتب الله -تعالى- بكل حرف يقرأ من القرآن عشر حسنات، بالإضافة إلى أنّ تالي القُرآن يُعدّ من أهل الله -تعالى- وخاصته، ويحصل على الدرجات العالية في الجنة، ويكتبه الله -تعالى- من القانتين، كما أنّ القرآن يأتي شفيعاً يوم القيامة لمن يقرأه، قال النبي -عليه السلام-: (اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ).[٤٠] تدبّر القرآن يُعرف التدبر في اللُغة بأنّه النظر في عاقبة الأُمور ومعانيها بتعمّق، قال -تعالى-: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ)؛[٤١] أي لم يفهموا ما خاطبهم به القُرآن، وقد بيّن العلامة عبد الرحمن السعدي معنى التدبّر في الاصطلاح الشرعي بأنّه التأمّل في معاني القُرآن، والتفكر فيه وفي عواقبه ومبادئه وكُلّ ما يلزم من ذلك، ويُعد تدبّره من أفضل العبادات؛ لأنّ المُسلم من خلاله يفهم كلام الله -تعالى- ومُراده، ولذلك ورد عن الإمام الزركشي قوله بكراهة قراءة القُرآن من غير تدبُّر؛ فقراءته مع تدبّره أفضل من قراءته سريعاً من غير تدبُّر، ومما يؤكد ذلك قوله -تعالى-: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ).[٣٣][٤٢] تدوين القرآن الكريم لما أنزل الله -تعالى- القُرآن كان واجباً على الأُمّة حفظه؛ وذلك بكتابته وتدوينه، فاتّخذ النبي -عليه الصلاة والسلام- كُتّاباً له وسمّاهم كُتّاب الوحي؛ فكانوا يكتبون ما ينزل منه على الحجارة وأوراق النخل والرقاق البيض،[٤٣] وعندما تولّى أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- الخلافة بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ارتدّ الكثير من الناس عن الإسلام وامتنعت بعض القبائل عن دفع الزكاة، مما اضطره إلى مُحاربتهم، وقد بعث خالد بن الوليد -رضي الله عنه- لقتال مُسيلمة الكذاب، واستُشهد في ذلك القتال سبعون من قُرّاء الصحابة -رضي الله عنهم- ومنهم سالم مولى أبي حُذيفة -رضي الله عنه- وهو أحد القُرّاء الذين أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بأخذ القُرآن عنهم؛ فاستشعر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- خُطورة ذلك، فأشار على أبي بكر -رضي الله عنه- بجمع القُرآن وكتابته في مُصحفٍ واحد بدل أن يكون مُتفرّقاً في الصُحف.[٤٤] وقد رفض أبو بكر الصدّيق -رضي الله عنه- هذه الفكرة في البداية، وبقي عُمر -رضي الله عنه- يُراجعه في ذلك إلى أن شرح الله -تعالى- صدره لهذه الفكرة؛ فوضع مجموعة من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- لهذه المُهمّة وعيّن عليهم زيد بن ثابت -رضي الله عنه-؛ لأنّه كان أحد كُتاب الوحي في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فتتّبع القُرآن وجمعه من الصُحف ومن صدور الرجال الحفظة حتى جمع القُرآن كاملاً، وبقي المُصحف الذي كُتب عند أبي بكر -رضي الله عنه-، ثُم ذهب إلى عُمر -رضي الله عنه-، ثُم عند ابنته حفصة -رضي الله عنها-.[٤٤] وعندما تولّى عُثمان -رضي الله عنه- الخلافة، اتّسعت الفتوحات الإسلاميّة وانتشر القُرّاء في الأمصار، وكان كُل مِصر يأخذ القراءة ممن جاء إليه من قُرّاء الصحابة؛ فقد كان كُلّ صحابي يُعلّم الناس بالحرف الذي تعلّمه وسمعه من الحرف السبعة التي نزل بها على النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فمثلاً كان أهل الشام يقرؤون بقراءة أبيّ بن كعب -رضي الله عنه-، وأهل العراق بقراءة عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، وهكذا؛ فكان إذا اجتمع أهل الأمصار وقرأ كُل واحدٍ بما تعلّمه، يُنكر بعضهم على بعضٍ قراءته وقد يحصل بينهم نزاعٌ وشقاق، ومن الصحابة -رضي الله عنهم- الذين لاحظوا اختلاف أهل الأمصار في القراءة، وما يحصل بينهم من شقاق وتجريح الصحابي حُذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-؛ لمُشاركته في الفُتوحات الإسلاميّة التي شارك بها أهل الأمصار، فقرر الذهاب إلى عُثمان وإخباره بما رأى، وأخبره بإدراك الأُمّة قبل أن يختلفوا.[٤٥] وعندما علم عُثمان -رضي الله عنه- بالخبر، أرسل إلى حفصة -رضي الله عنها-؛ لتُرسل له بالمُصحف الذي جُمع في عهد أبي بكر؛ ليقوم بنسخه عدّة نُسخ، وقد عيّن زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام -رضي الله عنهم-؛ لنسخ المُصحف؛ فقاموا بنسخه عدّة نُسخ وإرسال كُل نُسخة إلى مصر، وإحراق ما سواها من النُسخ.[٤٥] العلوم القرآنية تُعرف عُلُوم القُرآن: بأنها المباحث التي تتعلق بجميع جوانبه، سواءً من حيث نُزوله وأسبابه وجوه وزمانه ومُلابسات نزوله، و ترتيبه، و إعجازه، و أساليبه، و جمعه، و كتابته، ومُحكمه، ومُتشابهه، وناسخه ومنسوخه، والدفاع عنه وأقسامه، وأمثاله، وأحكامه، وصوره الفنية، وبيان المكي والمدني من سوره وغير ذلك من المباحث التي تتعلق به، فموضوع عُلُوم القرآن تتعلق بأي جانبٍ من جوانبه، وامّا الفائدة من هذه العُلُوم، فهي تُساعد على بناء الثقافة العالية عن القُرآن، والتسلح بمعارفه القيّمة، والإستعداد للدفاع عنه، ويُسهل على المُسلم معرفة تفسير ومعاني القُرآن.[٤٦][٤٧] القصص في القرآن القصّة في اللُغة مأخوذة من كلمة قصّ؛ أي تتّبع الأثر، قال الله -تعالى- على لسان أُمّ موسى: (وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ)؛[٤٨] أي تتّبعي أثره وانظري من يأخذه، أمّا القصة فهي الخبر والحال والشأن، وأمّا قصص القُرآن؛ فهي الأخبار الواردة فيه عن الأُمم والنبوّات السابقة وأحوالهم، والحوادث التي كانت في الماضي، وقد جاءت في القُرآن على ثلاثة أنواع، وبيانها فيما يأتي:[٤٩] النوع الأول: قصص الأنبياء ودعوتهم، ومُعجزاتهم، وموقف أقوامهم منها، وعاقبة المؤمنين وغير المؤمنين بها؛ كقصص نوح، وإبراهيم وغيرهم من الأنبياء -عليهم السلام-. النوع الثاني: قصص تتعلّق بحوداث ماضية لأشخاصٍ ليسوا أنبياء؛ كقصّة طالوت وجالوت، وأهل الكهف، وذي القرنين وغير ذلك من القصص. النوع الثالث: قصص تتعلّق بأحداث حدثت في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ كغزوة أُحد في سورة آل عمران، وغزوة تبوك في سورة التوبة وغير ذلك من الأحداث. وتظهر أهميّة وفائدة القصة القُرآنية في بيانها أسس الدعوة، وبيانها لأصول شرائع الأنبياء الذين بعثم الله -تعالى-، وتصديقاً لما جاءوا به، وبقاء ذكرهم، وبيان صدق النبي -عليه الصلاة والسلام- بإخباره عنهم وبما حدث معهم، كما أنّ فيها تثبياً لقلب النبيّ -عليه السلام- ومن ءآمن معه بنصر الله -تعالى- لهم، قال -تعالى-: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ)،[٥٠] بالإضافة إلى بيان ما كتمه غير المؤمنين من
مشروع جميل
ردحذفحتو
ردحذفوايد حلو بس ناقس الفيديو
ردحذفجميل
ردحذف